تمضى الأيام سريعة، فالوقت سريع الانقضاء، وما مضى منه لا يعود، وها نحن نستقبل عاما دراسيا جديدا نسأل الله تعالى أن يجعله عام خير للجميع، وأن يعين أهل التربية والتعليم على القيام بالمسئولية على خير ما يرام، وأن يقيض الله لمدارسنا وجامعاتنا من يجعلها منارات للهدى، وأبوابا للخير، ومجالا للصلاح والفضائل، وملجأ آمنا لرعاية النشء، لاسيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن، وتنوعت فيه الشرور، وكثرت فيه مغريات الفساد والإفساد.
الدكتور عبد العزيز بن داوود الفايز – دكتوراه في الدراسات الإسلامية ومدير عام إدارة الأوقاف والمساجد بمكة المكرمة سابقا – يوجه كلمة إلى المعلمين والطلاب وأولياء الأمور بمناسبة اقتراب العام الدراسي الجديد ، يوصيهم أولا بتقوى الله، فالتقوى هي مفتاح الخير كله "وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" [البقرة:282] فمن اتقى الله سبحانه وتعالى فتح الله على قلبه وعقله ورزقه الفهم السليم والعلم النافع.
ثم يعود د. الفايز فيذكِرهم بالإخلاص لله عز وجل، فطلب العلم من أشرف الأعمال، فلا يجب أن يطلب المرء العلم من أجل الدنيا، وإنما ينبغي أن يسلك المسلم طريق العلم ابتغاء مرضاة الله، فإن نشر العلم من أفضل القربات إلى الله تعالى، و المولى جل وعلا قد ميز العلماء ورفع درجاتهم في الدنيا والآخرة، قال تعالى " قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ " [الزمر:9]. وقال تعالى: "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " [المجادلة:11] ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث .... منها ولد صالح يدعو له) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولد صالح في النسب أو في التربية والتعليم.
ويرى الدكتور الفايز أن المعلم الكفء يكاد يقوم مقام الوالد من الطلاب، ينبغي أن يحرص على تربيتهم وغرس المعاني السامية والقيم النبيلة فيهم، مؤكدا أنه ما من أحد إلا وتعلق في ذهنه صورة ما لمعلم مُخلص أثر فيه خلال فترة من حياته، في صغره أو في شبابه، ترك انطباعا في شخصيته، وتأثر بكلامه وغير من سلوكه بشكل أو بآخر، لذا فعلى كل معلم أن ينظر إلى طلابه هذه النظرة الأبوية، وأن يستحضر الأجر من الله سبحانه وتعالى جزاءا لصنيعه في تنشئتهم.
الرفقة الصالحة في المدارس
من جهة أخرى، يوجه الشيخ عبد العزيز النصح إلى الطلاب بأن يبذلوا الجهد في الاهتمام بدراستهم وأن يكدوا في طلب العلم وتحصيله، وأن يتحروا اختيار الجليس الصالح، فالجليس يؤثر بجليسه ولا ريب، والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل) (رواه أبو داود، والترمذي بإسناد صحيح، وقال الترمذي: حديث حسن)، لذا على الطالب أن يختار صحبة من يقربه إلى الله تعالى، ومن يعينه على دراسته، من يكتسب منه الأخلاق الفاضلة الرفيعة، وأن يحذر من جلساء السوء، والله تبارك وتعالى أوصى رسوله بقوله:
"وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً" [الكهف: 28].
ويقول أحد الحكماء : قل لي من تجالس أقل لك من أنت، لذا يرى الشيخ الفايز أن الطالب المٌجد لا ينبغي أن يجامل زملائه على حساب دينه، إذا ما رأى من أحدهم سلوكا معوجا، بادر بمناصحته والدعاء له بظهر الغيب أن يرده الله إلى الصواب وينير بصيرته، فإن استجاب فالحمد لله، وإلا فعليه أن ينجو بنفسه ويبتعد عن ذلك الجليس لأنه سوف يتأثر بأخلاقه عاجلا أو آجلا، فلا جدال في أن رفقاء السوء هم أولى أسباب الانحرافات لدى الشباب، ولنا عبرة في قصة الرجل الذي قتل تسعا وتسعين نفسا، فأرشده أحد الصالحين أن يغادر تلك البلدة لأن أهلها أهل سوء ولن تستقيم له توبة وهو لا يزال يحيا بينهم.
المعلم قدوة لطلابه
ويشدد الدكتور عبد العزيز على أهمية أن يكون المعلم قدوة حسنة لطلابه، يدعُهم بأفعاله وأخلاقه قبل أقواله، وأن يتأسى بالحبيب -عليه صلوات الله وسلامه- حين أخبرنا عنه ربنا في الكتاب العزيز " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً " (21) الأحزاب، إنها الأخلاق الإسلامية التي جعلت وفد اليمن يقولون لرسول الله يوم أن جاؤوه: لقد أتينا وما في الدنيا أكره لدينا منك ومن مدينتك ومن دعوتك، وخرجنا من عندك وما في الدنيا أحب إلينا منك ومن مدينتك ومن دعوتك، هذا هو المعلم الأول الذي قال له ربه جل وعلا "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (4) القلم .
الأبناء هم الاستثمار الحقيقي
والوقفة الأخيرة للدكتور عبد العزيز الفايز هي وقفة مع أولياء الأمور، يوجه لهم كلمته أن دور أولياء أمور الطلاب يتجاوز مسألة توفير المتطلبات المادية والمستلزمات الدراسية، فعلى الآباء مداومة الجلوس مع أبنائهم، وغرس فيهم فضيلة طلب العلم، فنحن نريد جيلا راشدا يحمل هما ورسالة، جيلا ينفع نفسه وينفع والديه ووطنه، نريد جيلا يعرف رسالته منذ نشأته، لذا فالمسئولية عظيمة على الآباء والأمهات في هذا الأمر فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.
إن الأبناء – يقول فضيلة الشيخ الفايز – هم الاستثمار الحقيقي في الدنيا والآخرة، أن تنجح في أن تربي ابناً صالحا سالكا ناسكا ينفع نفسه وأمته، إنها لجائزة ثمينة، وثمرة تستحق كل عناء في سبيل الحصول عليها، يقول الله سبحانه "وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً" (74) الفرقان، قرة عين الأب أن يرى ابنه صالحا مستقيما ينفع نفسه وينفع غيره.
نشكر فضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز بن داوود الفايز، ونسأل الله أن يكون العام الدراسي عام خير وفلاح وعلم نافع لجميع الطلاب والمعلمين.